أيها الإخوة الكرام ...
دم الإنسان في رأي بعض العلماء بمثابة بحرٍ زاخرٍ بقطع الأسطول، فهناك سفن للإمداد .. كريات الدم الحمراء .. وهناك سفن للدفاع تتمتَّع بقدرةٍ على المناورة ، والمراوغة ، والإقتحام .. هي الكريات البيضاء ، وهناك سفن للإنقاذ من الموت المحقق .. هي الصفائح الدموية .. وهناك سفن تحمل المواد الغذائية .. السكر .. وهناك سفن تحمل المواد المرممة .. البروتين .. وهناك سفن تحمل الفضلات.. حمض البول ، وحمض اللبن .
فالدم بحرٌ زاخر فيه سفن .. فيه سفن إمداد ، وسفن دفاع ، وسفن إنقاذ ، وسفن تحمل المواد الغذائية ، وسفن تحمل الفضلات ، وكلُّ هذه السفن تتحرَّك بحريةٍ دون أن تصطدم ، ودون أن تغرق ، ودون أن يصيبها عطب .
من منا يصدِّق أيها الإخوة أن في دم الإنسان كما قال العلماء : خمسة وعشرين ترليون .. أي خمسة وعشرين ألف ألف مليون ، أي خمسة وعشرين أمامها إثني عشر صفراً .. كرية حمراء ، هذه الكرية لها خصائص لا يصدِّقها العقل ، بإمكانها أن تمر في ممر ضيّق هو عشر حجمها بمرونةٍ فائقة ، ونقي العظام يصنِّع في كلِّ ثانيةٍ واحدة إثنان ونصف مليون كرية في كل ثانية ، ويموت في كل ثانية مثل هذا العدد .
فإذا ماتت هذه الكريات ذهبت إلى مقبرةٍ جماعيّة اسمها الطحال ، ففي الطحال تحلل هذه الكريات الميِّته إلى حديد ، وإلى هيموغلوبين ، يذهب الهيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء ، ويذهب الحديد ثانيةً إلى نقي العظام ليعاد تصنيعه مرةً ثانية ، وهذه نظرةٌ إقتصادية .
أيها الإخوة الكرام ...
وفي الإنسان خمسة وعشرين ألف ممليون كريّة بيضاء ، هي بمثابة جيش الدفاع ، ومرض الإيدز .. نقص المناعة المكتسبة .. هو قتلٌ لهذه الكريات البيضاء ، عندئذٍ يموت الإنسان لأقلِّ إصابةٍ جرثوميّة .
جهاز الدفاع يمثِّل جيشاً بكل معاني هذه الكلمة .. قسم إستطلاع ، يستطلع العدو ، وأسلحته ، وخصائصه ، وقسم يصنِّع الأسلحة ، وقسم يحارب .. ثلاث عناصر ، عنصر إستطلاعي ، إستخبارات ، وعنصر تصنيع أسلحة ، وعنصر مواجهة بهذه الأسلحة ، هذا جهاز الدفاع .. خمسة وعشرين ألف مليون كرية بيضاء ، وخمسة وعشرين ترليون .. أي خمسة وعشرين ألف ألف مليون كرية حمراء ، وواحد ترليون صفيحات دموية .
هذه الصفيحات لولاها لنزف دم الإنسان من جرحٍ بسيط ، المكان إذا صار فيه جرح تتوجّه هذه الصفيحات وتتلاحم ، وتغلق هذا الجرح.. وأعرف شخصاً على علاقةٍ متينةٍ معه ، توفَّاه الله بعدم تصنيع الصفيحات في نقي العظام ، ومات بهذا المرض .
أيها الإخوة الكرام ...
الذي يلفت النظر أن في الدم مادة ، هذه المادة تعين على لزوجة الدم ، فلولا هذه المادة لخرج من الإنسان ألف سنتيمتر مكعب في ست دقائق ، بفضل هذه المادة لا تخرج الألف سنتيمتر المكعب إلا في ثلاثين دقيقة ، لأن اللزوجة أساسية في الدم .
وقد ذكرت لكم من قبل أن في الدم هرمون يجلِّط الدم ، وهرمون يميِّعه ، ومن توازن هذين الهرمونين يبقى الدم بهذه الحالة العجيبة ، لا هو من السيولة بحيث ينزف الإنسان دمه كلُّه بوقتٍ قصير فيموت ، ولا هو من اللزوجة بحيث يبقى كالوحل في الشرايين ، وضعٌ دقيقٌ جداً بين اللزوجة وبين الميوعة .